يبلغ عدد سكان العراق مايقارب 29 مليون نسمه مايمزه وجود خمس اديان هي الاسلام والمسيحية والصابئة المندائية والأيزيدية واليهودية اثنان منها تعددت مذاهبهما وهما المسيحية والإسلام، والاديان الاخرى لا يُلمس فيها في الوقت الراهن مذاهب وفرق يُضاف إلى هذا العدد البهائية التي لها حضورها أيضاً منذ القرن التاسع عشر، أما الكاكائية ( اهل الحق ) فيجب أن تكون ديناً أيضاً، وفي ظل حرية العقيدة ستكون أديان العراق سبعة ،
من الجدير بالذكر ان الديانتين الإسلام والمسيح بطبيعة الحال تعتمد التبشير ولا تربط الانتساب إليها بقومية أو بأصل وانحدار فأن الأديان الثلاثة الباقية اكتفت بحدودها وراعت الأصل في الانتساب إليها، فمن المتعارف عليه أن اليهودي والمندائي والأيزيدي يتحول إلى الإسلام والمسيحية برمشة عين بفعل التبشير أو الضغوط، لكن من العسير، إن لم يكن من المستحيل، أن يجد المسلم أو المسيحي مكاناً له في الأديان الثلاثة الأخرى، لأنها تعتمد شروطاً في الانتساب ومنها العلاقة بالأم ونقاوة الدم وغير ذلك.
لكن هذا التبدل الديني، وإن كان له الأثر الكبير في تحول الأديان الأخرى إلى أقليات وسط كثرة إسلامية، لم يلغ التعدد. وهنا أود التوقف عند مصطلحي الأكثرية والأقلية ذلك لما في مصطلح الأقلية من حرمان وإلغاء للحقوق التاريخية والشراكة المتوازنة في الوطن الواحد، إضافة إلى ما يولده هذا المصطلح من الشعور بالضعف والاغتراب، وبالتالي يصبح الوطن وطن الأكثرية فقط. فالمواطنة كما أراها هي حقوق قبل العدد لا تخضع لحكم الأقلية والأكثرية، وأفضل على هذين المصطلحين مصطلح التكوين الديني والمذهبي، وتصدق العبارة على التعدد القومي أيضاً. فلعل سؤالاً يطرح لماذا تتحدثون عن تكوين يهودي ولم يبق من يهود العراق غير العشرات، ولماذا تتحدثون عن تواجد علوي أو نصيري ولم يبق بالعراق غير أنفار يسترون مذهبهم عن الآخرين بين قرى مدينة عانة؟
الجواب على هذا السؤال يتطلب معرفة تاريخية في علاقة هذه التكوينات الذاهبة نحو الانقراض، بما فعلته السياسة المدمرة في المجتمع العراقي. فاليهود الذين تأسسوا فكرياً ببابل، وتركوا مزارات أنبياء وأولياء لا يمكن إلغائهم ومحو أثرهم عن المكان، فهم ليسوا أرض الحياد أو قطعة تراب يتبرع بها الحاكم إلى دولة أخرى، هم من قوام هذا الشعب، لهم صلات في الأرض والبشر، وانتقالهم إلى مكان آخر تحت القسوة لا يعني انقطاعهم عن بلادهم، ونحن في عصر تصدق عليه العبارة التي نقلها أبو حيان التوحيدي (414هـ) عن صاحبه في كتاب “الصداقة والصديق” راداً على مَنْ استغرب صداقته لشخص يسكن ببلاد أخرى، تُعد قصية في حساب قطع المسافات وقتذاك، قال: “الأمكنة في الفلك أشد تضامناً من الخاتم في إصبعك، وليس لها هناك هذا البعد الذي تجده بالمسافة الأرضية من بلد إلى بلد بفراسخ تقطع، وجبال تُعلى، وبحار تخرق”.
فما يربط اليهود بعراقهم أكثر من أرض ميعاد أو جنة موعودة، وما حصل كان سبياً صهيونياً واقتلاعاً من الجذور تحقق بفعل قوانين وممارسات لم تكن دولة إسرائيل بعيدة عنها، تكللت بما عرف بالفرهود وإسقاط الجنسية، وبهجرتهم تضرر العراق وتضرروا هم روحياً واجتماعياً، فتحولوا إلى كتل من الحنين المؤذي،حتى غدوا يعيشون على الماضي وذكرياته.
وبالنسبة للعراق كانوا طائفة منتجة في مجال الصناعة والمال والفن، وكان وجودهم يحقق التوازن الاجتماعي، فقد بدأ هذا البلد متنوعاً وظل هكذا رغم الهزات العنيفة التي تعرضت لها طوائفه كافة، وتبدو تسمية مخلفات اليهود المالية بالأموال المجمدة نافعة في الإشارة إلى تجميد نشاط حُرفي وفني عمره آلاف السنين. جُمد بالعراق ليتحرك بإسرائيل أو بلدان العالم الأخرى، ومن الغرابة بمكان أن يكون الفلسطيني أمين الحسيني مشجعاً لفرهود يهود العراق ومحاصرتهم من أجل دفعهم للهجرة إلى إسرائيل
المسيحية هي ثاني ديانة في العراق من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام وهي ديانة معترف بها حسب الدستور العراقي حيث أنه يعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية في العراق مسموح التعبد بها يتوزع أبنائها على عدة طوائف ويتحدث غالبيتهم اللغة العربية كلغة أم في حين أن نسبة منهم تتحدث اللغة السريانية بلهجاتها العديدة واللغة الأرمنية أكبر كنيسة في الشرق الأوسط تقع في العراق في مدينة بغديدا وهي كنيسة الطاهرة الكبرى
عشرون قرنا هو عمر الدين المسيحي في العراق واجه خلالها اليسر والعسر تبعاً إلى الظرف السياسي وشخصية الحاكم الفارسي المجوسي أو العربي المسلم، وكثيراً ما كان للنساء والجثالقة دور في سريان التسامح الديني، فما عدا ملوك الحيرة، وعدد من الإمارات في الشمال، لم يحصل أن تبوأ مسيحي الحكم في جهة من جهات العراق .
يتوزع المسيحيون العراقيون على الفرق التالية: حسب الدليل العراقي 1936: الكاثوليك الكلدانيون، النساطرة الآشوريون، السريان الكاثوليك، السريان الأرثوذكس، الآباء الكرمليون. وحسب حارث يوسف غنيمة في بحث “الطوائف الدينية في القوانين العراقية”(مجلة بين النهرين 86/1989): الكاثوليك الكلدان، السريان الكاثوليك، اللاتين، الروم الكاثوليك (الملكيون)، السريان الأرثوذكس (اليعاقبة)، الأرمن الكاثوليك، الأرمن الغريغورية، البروتستان.
إن العراق ذي غالبية مسلمة حوالي 97% من السكان (شيعة 60-65%، سنة 32-37%) يتركز الشيعة بأغلبيتهم في جنوب العراق واجزاء من الوسط ويتركز السنة بأغلبيتهم في شمال العراق واجزاء أخرى من الوسط.
استكمل الإسلام دخوله العراق خلال ستة أعوام (13-19هـ)، أي بدأ بالاستيلاء على القادسية والمدائن واكتمل بالاستيلاء على جلولاء، ليصبح العراق مركزاً للخلافة الإسلامية أربعة سنوات هي مدة خلافة الإمام علي بن أبي طالب، ثم طوال الخلافة العباسية (132-656هـ) من خلافة أبو العباس السفاح إلى خلافة المستعصم بالله. ومن العراق انطلق الإسلام صوب الشرق حتى وصل بلاد السند (باكستان) والهند وما وراء النهر، والبلاد الإيرانية كافة. وبعد الاجتياح المغولي انقطعت رئاسة الدولة عن الإسلام، رغم أن الحكومة التي ألفها المغول كانت مسلمة، وتركيبتها من المذهب السني.
لكن زعامة الدولة البوذية التي استمرت 38 عاماً حتى إسلام حفيد هولاكو، غازان خان بن آرغون خان بن آباقا خان بن هولاكو خان، لم تسيء للإسلام والمسلمين بعد أن انتهت أيام الاجتياح، ويروي مؤرخ المغول وطبيبهم اليهودي السابق رشيد الدين فضل الله الهمداني هذه اللحظات بالتالي: “إن غازان خان نطق بكلمة التوحيد في أوائل شعبان سنة 694هـ (1294م) بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم بن حمويه، ومعه كافة الأمراء (قيل أسلم معه مئة ألف مغولي) صار الجميع مسلمين، ولقد أقيمت الولائم والأفراح، واشتغل الحاضرون بالعبادة”(جامع التواريخ، تاريخ غازان خان).
مذاهب الإسلام هي الشيعة: يصعب معرفة مؤسس لهذا المذهب على وجه التحديد، لأنه بدأ حركة ظهرت بوادرها بين المسلمين أثناء سقيفة بني ساعدة، عند وفاة النبي محمد مباشرة، ثم تبلورت أكثر عند الالتفاف حول الإمام الحسين بن علي وبعد مقتله، ولعب الإمام جعفر الصادق دوراً كبيراً في بلورتها كمذهب فكري وفقهي، ومنشأ المذهب كما يبدو العراق، والتشيع العراقي يختلف عن التشيع الصفوي الإيراني في العديد من الامور، ففي العراق احتفظ بكيانه الفكري خارج أروقة السلطة بينما أصبح التشيع الإيراني سلطة ولا زال، وما يعنيه التداخل بين السلطة والدين أو المذهب، فالأول احتفظ بأصالته العلوية بينما دخلت إلى الثاني هموم الامبراطورية. أنقسمت الشيعة في تاريخها إلى عشرات الفرق، ظهر منها الإسماعليون، والعلويون النصيريون والإمامية، وهو المذهب الشيعي الرئيس بالعراق اليوم. وآخر انفلاق فيها ظهر بين الإخباريين والأصوليين ثم ظهرت الشيخية التي لا وجود ملحوظ بمدينة البصرة اليوم.
وانقسم الإسلام السنّي، من الناحية الفقهية والفكرية، إلى تيارين رئيسين، هما أهل الرأي، وأهل الحديث. وتبلور المذهب الاول من مقالات الإمام أبي حنيفة النعمان (150هـ) الممتدة إلى خلفية فقهية كان روادها عبد الله بن مسعود (ت32هـ) وإبراهيم النخعي (ت96هـ) وحماد بن أبي سليمان(ت120هـ)، والأخير كان أستاذاً لأبي حنيفة مدة 18 عاماً، والمشترك بين هؤلاء أنهم مقلون في رواية الحديث، وبالتالي يتقدم عندهم الرأي على النص. انتشر المذهب الحنفي بالعراق بعد تبوء قاضي القضاة أبي يوسف منصب القضاء زمن المهدي وقيل زمن الرشيد، وظل مذهباً للدولة العباسية لم ينافسه مذهب آخر حتى ظهر المذهب الشافعي، وعلى ما اعتقد أنه أكثر المذاهب قدرة على الانفتاح، ولديه أحكام مريحة لأهل الأديان الأخرى وللمرأة والحرية الاجتماعية، ولا زال يؤلف الأغلبية السنّية بين عرب وتركمان العراق.
وتمثل أهل الحديث بالعراق بالمذهبين الشافعي والحنبلي. أنشأ المذهب الأول الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت204هـ)، وكان إلى حد ما يمثل الوسط بين أهل الحديث وأهل الرأي، وأخذ ينتشر بالعراق على يد القضاة الشافعيين، ونصره أصحاب الحديث كثيراً، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل. وينقل عن الشافعي أنه قال: “سُميت ببغداد ناصر الحديث”(ابن عساكر، تاريخ دمشق، 51ص343). والنصرة عادة تعني أن هناك هزيمة، وهذا ما تعرض له أهل الحديث على يد أهل الرأي والمعتزلة. فما كان يخشاه هؤلاء خسارة ما حققوه في ظل خلافة هارون الرشيد، مثل إبعاد البرامكة وإلغاء مجالس المناظرات التي كان يرعاها الوزير جعفر بن خالد البرمكي، يُضاف إلى ذلك قدرة المذهب المنافس، المذهب الحنفي، على دعم الحركة العقلية والفرق الكلامية، لذا أصبح الحنفيون قريبين من الاعتزال في أُصول الدين، بينما أتخذ الشافعيون مقالات الأشعري أُصولاً، وما فيها من تراجع عن الاعتزال الذي كان يتبناه المتكلم المذكور، حتى أصبح من المتعذر، أيام السلاجقة، الفصل بين الشافعي والأشعري.
بلغ المذهب الشافعي أوج مجده زمن سلطنة السلاجقة ببغداد، وقد تحول هؤلاء الحنفيون بالأصل إلى الشافعية عبر وزيرهم نظام المُلك (ت485هـ)، الذي جعل مدرسته النظامية مغلقة للمذهب الشافعي والأشعري. حالياً، المنطقة الكردية قاطبة على المذهب الشافعي، ومَنْ تواجد من التركمان بأربيل شوافع أيضاً، وكذلك سامراء ومناطق من غربي العراق تعتقد بهذا المذهب، وكانت شط العرب تعتقد المذهب الشافعي.
لفترة طويلة لم تتبلور آراء ابن حنبل مذهباً فقهياً، وظلت أقرب إلى الحركة أو التيار من المذهب، لكن التمسك بالنصوص والأشخاص والعودة إلى الأُصول أو السلف المؤثرة في مزاج العامة جلبت لابن حنبل والحنابلة عموماً كثرة الأتباع من الغوغاء، فكان لهم وجود مؤثر في الحياة السياسية، حتى أضطر بعض الخلفاء تملق الحنابلة، واشتهرت ببغداد الفتن بين الشافعية وبين الحنابلة، ووصل الأمر إلى العراك بالآجر. وكان الاختلاف الفكري الذي لم تدركه العامة بين الأشاعرة والحنابلة حول الصفات، مع أن أبا الحسن الأشعري جعل نفسه من اتباع ابن حنبل في قضية الصفات ورفض مقالة خلق القرآن.
كان المذهب الحنبلي الذي تطور على يد ابن تيمية ثم ابن قيم الجوزية، ووصل إلى قمة تشدده على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلى مصاف الفقه مذهب حديث لا فقه، وإمامه محدث لا فقيه، هذا ما ذهب إليه المؤرخ والمفسر محمد بن جرير الطبري، وحصل ما حصل له من قبل العامة.لم يستمر المذهب الحنبلي ببغداد ولا بمدن العراق الأخرى ماعدا منطقة الزبير على مشارف الصحراء، فلم تنجح الشيخ ابن عبد الوهاب في بث دعوته بالبصرة قبل بثها بنجد، وكان قد درس ببغداد.
أما المندائية فهي ديانة ذات أُصول عراقية، لكن لا يمنع ذلك من تواجد فرقة منها مثل الأسينيين بفلسطين وأخرى بحران، لذا من الصعوبة أن نتحدث عن هجرات مندائية، وإن كان الاعتقاد الديني ولا يزال أنهم جاءوا من جزيرة سندريت بسيلان الهندية في سفينة يقودها سام بن نوح. وسندريت حسب المصادر الإسلامية أنها جبل هبط عليه آدم، وهو “همزة وصل بين السماء والأرض”. تختلف إحصاءات المندائيين من فترة إلى أخرى، لكن الذي يطمئن له اليوم أنهم يعدون بمئة ألف نسمة، خمسة وعشرون بالأهواز وخمسة وعشرون أخرى خارج العراق، وخمسون داخل العراق، النسبة الأكبر منهم ببغداد ثم البصرة ثم العمارة.
ديانة أخرى اشتبكت المصادر حول أُصولها، فمثلما ابتلى المندائيون برواية أنهم نصارى منحرفون ابتلى الأيزيديون برواية أنهم مسلمون مرتدون، يحل تأديبهم أو قتلهم، وبهذه الحجة وغيرها صدرت فتاوى قتل عديدة ضدهم. يبدو أن أول مصدر إسلامي ذكرهم هو كتاب “الأنساب” لعبد الكريم السمعاني (القرن السادس الهجري)، وقد لفظ اسمهم باليزيدية، فسار الآخرون عقبه في هذه التسمية. معروف أن مضارب الأيزيدية هي الموصل ودهوك، ويقع معبدهم في وادي لالش المقدس. لا أظنهم يؤمنون بوجود كائن يدعى الشيطان. قال لي أحد شيوخهم وأنا أقلب ناظري في سقف المعبد: “نحن من أتباع النبي إبراهيم، وهذه الكتب ليست كتبنا الحقيقية وإنما لفقت في فترة من الفترات، ونحن لا نؤمن بوجد الشيطان، وإنما هو الله الواحد للخير والشر”. فهم أيزيدون أي إلهيين أتباع الله أيزيد أو يزدان حسب لسانهم.
تأثرت طقوس الأيزيديين بطقوس الأديان الأخرى، فكانوا متأثرين على الدوام، ذاك لقلتهم وبداوتهم وحداثة كتابيهما المقدسين “مصحف رش” و”الجلوة” نسبة إلى قدم الكتب الدينية الأخرى، بعد فقدان كتبهم الأصلية حسب ما يقال، إضافة إلى تقوقعهم في البيئة الجبلية واستقبالهم لزائرين من الأديان مختلفة. لكنهم أخضعوا الطقوس التي تأثروا بها لعقائدهم التي تبدو قديمة جداً. تناقضت الآراء حول تاريخهم وطقوسهم رغم أن أغلب الذين كتبوا عنهم قاموا بزيارتهم والاختلاط بهم، وكثير منهم حضر شعيرتهم الكبرى المتمثلة في مهرجان السناجق السبعة.
وفيما يخص تسميتهم، يصر الآخرون كباحثين ودوائر رسمية على تسميتهم باليزيديين، رغم تأكيد عدم الصلة بأي يزيد كيزيد بن معاوية أو يزيد بن أنيسة أو يزيد بن عنيزة (قيل أن شيخ عدي كان يمثله)، وتبدو هذه التسمية محرفة عن الإيزيدية لسهولة التلفظ بها من جهة ومن جهة أخرى لرسوخ الاعتقاد الخاطئ حول صلتهم بيزيد بن معاوية. يربو عددهم اليوم على النصف مليون نسمة. أما حكاية أصلهم العربي أو الأموي فلا أصل لها على الإطلاق.
كانت هذه الخاصية حاضرة في ذهنية الساسة العراقيين ورجال الدين في العصر الحديث، ففي حزيران 1920، أوان ثورة العشرين “استقبل وفد يقوده جعفر أبو التمن (أحد وجهاء الشيعة البغداديين) ويضم شباباً من السنّة والشيعة، موكباً مسيحياً كان في طريقه إلى أحد الكنائس للاحتفال بعيد الجسد، فنثروا الورود ورشوا الماء المعطر على الموكب وهتفوا: عاش مجد سيدنا المسيح، عاش إخواننا المسيحيون.. عاشت الوحدة العراقية، عاشت الوحدة الوطنية”(عوني فرسخ، الأقليات في التاريخ العربي، ص، 383 عن وميض نظمي، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية في العراق، ص365). فكان جواب المسيحيين: “عاش إخواننا المسلمون، عاش العرب”.
واستعداداً لتشكيل الدولة الحديثة والعيش بتجاور مريح حرصت كل الأطراف على المشاركة في الأعياد الدينية، ووزعت منشورات في أيار “مايو” من السنة نفسها ببغداد والموصل على المسيحيين واليهود “تؤكد على وحدة وأخوة كافة الطوائف العراقية وتدعوها باسم الوطن الواحد والمصير الواحد إلى الاتحاد مع المسلمين لتحقيق استقلال العراق”. وتشكل المجلس التأسيي العراقي العام 1924 على أساس التكاتف بين كل الأديان والمذاهب، فحزب واحد جمع بين مولود مخلص السنُّي وجعفر أبو التمن الشيعي. وأن القساوسة أوصوا بعدم المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي بالموصل تضامناً مع علماء الشيعة بكربلاء والنجف والكاظمية. ووجهاء من أهل السنُّة رجال دين وشيوخ عشائر، وسياسيين مثل مولد مخلص، وصولوا كربلاء تضامناً ودفاعاً عنها ضد حملات الأخوان من الجزيرة.
حدد هذا التعايش فيما بعد بقوانين رسمية، من هذه القوانين حسب الجريدة الرسمية: يعاقب بالسجن مَنْ: أساء لشعائر طائفة دينية، أو عطل إقامتها، أو خرب أو دنس بناية خاصة بالعبادة، أو تجاوز على حرمة دينية، أو نشر كتاباً مقدساً لطائفة دينية بعد تحريف نصه وتشويه معناه، أو أهان علناً رمزاً أو شخصاً مقدساً، أو سخر من طقس ديني. يراد لهذه القوانين أن تشدد أكثر وأن تدخل فيها منع التبشير الديني عن طريق الإغراء والترهيب، وأن تشدد في العقوبة فحدها الأعلى الحبس ثلاث سنوات لا أجده كافيا.
ويبقى السؤال محيرا هل الدين هوية ام هو علاقة الانسان بالخالق ؟ …